فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والأرض التي بارك الله فيها هي أرض الشام.
وتسخير الريح: تسخيرها لما تصلح له، وهو سير المراكب في البحر.
والمراد أنها تجري إلى الشام راجعة عن الأقطار التي خرجت إليها لمصالح مُلك سليمان من غزو أو تجارة بقرينة أنها مسخرة لسليمان فلابد أن تكون سائرة لفائدة الأمة التي هُو مَلِكها.
وعلم من أنها تجري إلى الأرض التي بارك الله فيها أنها تخرج من تلك الأرض حاملة الجنود أو مصدّرة البضائع التي تصدرها مملكة سليمان إلى بلاد الأرض وتقفل راجعة بالبضائع والميرة ومواد الصناعة وأسلحة الجند إلى أرض فلسطين، فوقع في الكلام اكتفاء اعتمادًا على القرينة.
وقد صرح بما اكتفى عنه هنا في آية سورة سبأ (12) {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر} ووصفها هنا بـ {عاصفة} بمعنى قوية.
ووصفها في سورة ص (36) بأنها {رُخاء} في قوله تعالى: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب} والرخاء: الليلة المناسبة لسير الفُلك.
وذلك باختلاف الأحوال فإذا أراد الإسراع في السير سارت عاصفة وإذا أراد اللين سارت رُخاء، والمقام قرينة على أن المراد المَواتاه لإرادة سليمان كما دل عليه قوله تعالى: {تجري بأمره} في الآيتين المشعر باختلاف مقصد سليمان منها كما إذا كان هو راكبًا في البحر فإنه يريدها رُخاء لئلا تزعجه وإذا أصدرت مملكتُه بضاعة أو اجتلبتها سارت عاصفة وهذا بيّن بالتأمل.
وعبر {بأمره} عن رغبته وما يلائم أسفار سفائنه وهي رياح مَوْسمية منتظمة سخرها الله له.
وأمر سليمان دعاؤه الله أن يُجري الريحَ كما يريد سليمانُ: إما دعوة عامة كقوله: {وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35] فيشمل كل ما به استقامة أمور المُلك وتصاريفه، وإما دعوة خاصة عند كل سفر لمراكب سليمان فجعل الله الرياح الموسمية في بحار فلسطين مدة ملك سليمان إكرامًا له وتأييدًا إذا كان همه نشر دين الحقّ في الأرض.
وإنما جعل الله الريح تجري بأمر سليمان ولم يجعلها تجري لسفنه لأن الله سخر الريح لكل السفن التي فيها مصلحة مُلك سليمان فإنه كانت تأتيه سفن ترشيش يُظن أنها طرطوشة بالأندلس أو قرطجنة بإفريقية وسفن حيرام ملك صور حاملة الذهب والفضة والعاج والقِردة والطواويس وهدَايا الآنية والحلل والسلاح والطيب والخيل والبغال كما في الإصحاح 10 من سفر الملوك الأول.
وجملة {وكنا بكل شيء عالمين} معترضة بين الجمل المسوقة لذكر عناية الله بسليمان.
والمناسبةُ أن تسخير الريح لمصالح سليمان أثر من آثار علم الله بمختلف أحوال الأمم والأقاليم وما هو منها لائق بمصلحة سليمان فيُجري الأمور على ما تقتضيه الحكمة التي أرادها سبحانه إذ قال: {وشددنا ملكه} [ص: 20].
{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ}.
هذا ذكر معجزة وكرامة لسليمان.
وهي أن سخر إليه من القُوى المجردة من طوائف الجنّ والشياطين التي تتأتّى لها معرفة الأعمال العظيمة من غوص البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان ومن أعمال أخرى أجملت في قوله تعالى: {ويعملون عملًا دون ذلك}.
وفصّل بعضها في آيات أخرى كقوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات} [سبأ: 13] وهذه أعمال متعارفة.
وإنما اختصّ سليمان بعظمتها مثل بناء هيكل بيت المقدس وبسرعة إتمامها.
ومعنى {وكنا لهم حافظين} أن الله بقدرته سخرهم لسليمان ومنعهم عن أن ينفلتوا عنه أو أن يعصوه، وجعلهم يعملون في خفاء ولا يؤذوا أحدًا من الناس؛ فجمع الله بحكمته بين تسخيرهم لسليمان وعلمه كيف يَحكمهم ويستخدمهم ويطوعهم، وجعلهم منقادين له وقائمين بخدمته دون عناء له، وحال دونَهم ودونَ الناس لئلا يؤذوهم.
ولما توفّي سليمان لم يسخر الله الجنّ لغيره استجابة لدعوته إذ قال: {وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35].
ولما مكّن الله النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم من الجنيّ الذي كاد أن يفسد عليه صلاته وهَمَّ بأن يربطه، ذَكَر دعوة سليمان فأطلقه فجمع الله له بين التمكين من الجنّ وبين تحقيق رغبة سليمان.
وقوله: {لهم} يتعلق بـ {حافظين} واللام لام التقوية.
والتقدير: حافظينهم، أي مانِعينهم عن الناس. اهـ.

.قال الشعراوي:

ثم ينتقل السياق من الكلام عن داود إلى ابنه سليمان عليهما السلام، فيقول الحق سبحانه: {وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً}.
لا شكّ أن سليمان- عليه السلام- قد استفاد بما علَّم الله به أباه داود، وأخذ من نعمة الله على أبيه، وهنا يزيده ربه- تبارك وتعالى- أمورًا يتميز بها، منها الريح العاصفة أي: القوية الشديدة {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81] وكأنها مواصلات داخلية في مملكته من العراق إلى فلسطين.
وفي موضع آخر قال: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي إِنَّكَ أَنتَ الوهاب فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 35- 36].
ؤُخَأء: أي: هيّنة ليّنة ناعمة، وهنا قال: {عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] فكأن الله تعالى جمع لهذه الريح صفة السرعة في عاصفة وصفة الراحة في رخاء، وهاتان صفتان لا يقدر على الجمع بينهما إلا الله، فنحن حين تُسْرِع بنا السيارة مثلًا لا تتوفر لنا صِفَة الراحة والاطمئنان، بل يفزع الناس ويطلبون تهدئة السرعة.
أما ريح سليمان فكانت تُسرع به إلى مراده، وهي في الوقت نفسه مريحة ناعمة هادئة لا تُؤثِّر في تكوينات جسمه، ولا تُحدث له رجَّة أو قوة اندفاع يحتاج مثلًا إلى حزام أمان، فمَنْ يقدر على الجمع بين هذه الصفات إلا الله القابض الباسط، الذي يقبض الزمن في حق قوم ويبسطه في حق آخرين.
ومعنى: {بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81] أي: بركة حِسِّية بما فيها من الزروع والثمار والخِصْب والخيرات، وبركة معنوية حيث جعل فيها مهابط الوحي والنبوات وآثار الأنبياء.
وليس تسخير الريح لسليمان أنها تحمله مثلًا، كما رأينا في السينما بساط الريح الذي نراه يحمل شيئًا ويسير به في الهواء، أو: أنها كانت تُسيِّر المراكب في البحار، إنما المراد بتسخيرها له أن تكون تحت مراده، وتأتمر بأمره، فتسير حيث شاء يمينًا أو شمالًا، فهي لا تهٌُبُّ على مرادات الطبيعة التي خلقها الله عليها، ولَكِن على مراده هو.
وإنْ كانت هذه الريح الرُّخَاء تحمله في رحلة داخلية في مملكته، فهناك من الرياح ما يحمله في رحلات وأسفار خارجية، كالتي قال الله تعالى عنها: {وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] فيجوب بها في الكون كيف يشاء {حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36].
ثم يقول تعالى: {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81] أي عندنا علْم نُرتِّب به الأمور على وَفْق مرادنا، ونكسر لمرادنا قانون الأشياء فَنُسيِّر الريح كما نحب، لا كما تقتضيه الطبيعة.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ}.
فبعد أنْ سخَّر الله له الريح سخَّر له الشياطين {يَغُوصُونَ لَهُ} [الأنبياء: 82] والغَوْصُ: النزول إلى أعماق البحر؛ ليأتوه بكنوزه ونفائسه وعجائبه التي ادخرها الله فيه {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلك} [الأنبياء: 82] أي: مما يُكلِّفهم به سليمان من أعمال شاقة لا يقدر عليها الإنسان، وقد شرحت هذه الآية في موضع آخر: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] فأدخل مرادات العمل في مشيئته.
والمحاريب جمع محراب، وهو مكان العبادة كالقِبْلة مثلًا، والجِفَان: جمع جَفْنة، وهي القَصْعة الكبيرة الواسعة التي تكفي لعدد كبير، والقدور الراسيات أي: الثابتة التي لا تنقل من مكان لآخر وهي مبنية.
وقد رأينا شيئًا من هذا في الرياض أيام الملك عبد العزيز رحمه الله، وكان هذا القدْر من الاتساع والارتفاع بحيث إذا وقف الإنسان مادًا ذراعيه إلى أعلى لا يبلغ طولها، وفي الجاهلية أشتهرت مثل هذه القدور عند ابن جدعان، وعند مطعم بن عدي.
أما التماثيل فهي معروفة، والموقف منها واضح منذ زمن إبراهيم عليه السلام حينما كسَّرها ونهي عن عبادتها، وهذا يردُّ قول مَنْ قال بأن التماثيل كانت حلالًا، ثم فُتِن الناس فيها، فعبدوها من دون الله فَحرِّمت، إذن: كيف نخرج من هذا الموقف؟ وكيف يمتنّ الله على نبيه سليمان أن سخر له من يعملون التماثيل وهي مُحرَّمة؟
نقول: كانوا يصنعون له التماثيل لا لغرض التعظيم والعبادة، إنما على هيئة الإهانة والتحقير، كأن يجعلوها على هيئة رجل جبار، أو أسد أضخم يحمل جزءًا من القصر أو شرفه من شرفاته، أو يُصوِّرونها تحمل مائدة الطعام.. إلخ. أي أنها ليست على سبيل التقديس.
ثم يقول تعالى: {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} [الأنبياء: 82] حافظين للناس المعاصرين لهذه الأعمال يروْنَ البشر، والبشر لا يرَوْنَهم، كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].
أما سليمان عليه السلام فكان يرى الجنَّ ويراقبهم وهم يعملون له، وفي قصته: {فَلَمَا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأرض تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} [سبأ: 14].
وفي هذا دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب؛ لذلك قال تعالى: {فَلَمَا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجن أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ فِي العذاب المهين} [سبأ: 14].
ويُقال: إن سليمان- عليه السلام- بعد أنْ امتنَّ الله عليه، وأعطاه مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده، أخذ هؤلاء الجن وحبسهم في القماقم حتى لا يعملوا لأحد غيره.
هذه مجرد لقطة من قصة سليمان. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ} يعني: أكرمناه بالمغفرة من قبل النبوة؛ وقال مقاتل: من قبل موسى وهارون؛ وقال مجاهد: من قبل بلوغه؛ وقال الكلبي: يقول ألهمناه رشدَه الخير، وهديناه قبل بلوغه؛ ويقال من قبل محمد صلى الله عليه وسلم القرآن.
{وَكُنَّا بِهِ عالمين} بأنه أهل للرشد، ويقال: للنبوة، ويقال: {وَكُنَّا بِهِ عالمين}.
{إِذْ قَالَ}، يعني: حين قال: {لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل}؟ أي التصاوير، يعني: الأصنام، {التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون}؛ أي عابدون؛ ويقال: التي عليها مقيمين.
روى ميسرة النهدي أن عليًّا رضي الله عنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: {مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عاكفون}.
فلما قال لهم ذلك إبراهيم، {قَالُواْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عابدين}، يعني: فنحن نعبدها.
{قَالَ} لهم إبراهيم: {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ في ضلال مُّبِينٍ}، يعني: في خطإ بَيِّنٍ.
قال السدي: كان أبوه يصنع الأصنام، يبعث بها مع بنيه فيبيعونها، فبعث إبراهيم بصنم ليبيعه، فجعل ينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه؛ وكان إخوته يبيعون ولا يبيع هو شيئًا، وقال أنتم في ضلال مبين.
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين قَالَ} إبراهيم بل أقول لكم حقًّا وأدعوكم إلى عبادة الله تعالى.
{بَلِ} هو {رَبُّكُمْ}، أي خالقكم ورازقكم.
{رَبّ السموات والأرض}، هو ربكم {الذى فطَرَهُنَّ}، يعني: هو الذي خلقهن.
{وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين} بأن الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرض هو ربكم، قال عز وجل: {وتالله لاكِيدَنَّ أصنامكم}، يعني: قال إبراهيم: والله لأكسرن أصنامكم.
{بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ}، يعني: بعد أن تنطلقوا ذاهبين إلى عيدكم.
وذلك أن القوم كانوا أرادوا أن يخرجوا إلى عيد لهم، فقالوا لإبراهيم: اخرج معنا حتى تنظر إلى عيدنا.
وكان القوم في ذلك الزمان ينظرون إلى النجوم فينظر أحدهم ويقول: إنه يصيبني كذا وكذا من الأمر.
وكان ذلك معروفًا عندهم، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يخلفوا بعدهم إلا من كان مريضًا {فَنَظَرَ إبراهيم نَظْرَةً في النجوم فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} يعني: أشتكي غدًا.
فأصبح من الغد معصوبًا رأسه، وخرج القوم إلى عيدهم، ولم يتخلف أحد غيره. فلما خرج القوم، قال إبراهيم: أما والله لأكيدن أصنامكم. فسمعه رجل منهم فحفظها عليه. فأخذ إبراهيم فأسًا ويقال قَدُوما، جاء إلى بيت أصنامهم؛ وكانوا قد وضعوا ألوان الطعام بين أيديهم؛ فإِذا رجعوا من عيدهم، رفعوا ذلك الطعام ويأكلون تبركًا. ودخل إبراهيم بيت الأصنام، فرأى ذلك الطعام بين أيديهم، فقال: {أَلاَ تَأَكُلُونَ} فلم يجيبوه، فقال: {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا باليمين}، يعني: جعل يضرب القوم بيده؛ وقال السدي: قطع رؤوسها كلها؛ وقال ابن عباس: كسرها كسرًّا؛ وقال بعضهم: نَحَتَ وجوههم؛ وقال بعضهم: قطع يد بعضهم ورجل بعضهم وأُذُنَ بعضهم، فذلك قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا}، يعني: فتاتًا؛ ويقال كسرهم قطعًا قطعًا.
وقال أهل اللغة: كل شيء كسرته فقد جذذته؛ وقال أبو عبيد: يعني: فتاتًا ويقال: كسرهم أي استأصلهم، ويقال: جذَّ الله دابرهم أي استأصلهم؛ وقرأ الكسائي: {جُذَاذًا} بالكسر؛ والباقون بالضم.
وقرئ في الشاذ {جُذَاذًا} بالنصب، ومعناه قريب بعضها من بعض، وهو الكسر.
{إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ} لم يكسره وتركه على حاله، وقال الزجاج: يحتمل الكبير في الخلقة، ويحتمل أكبر ما عندهم في تعظيمهم.
{لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}، يعني: إلى الصنم الأكبر؛ ويقال: يرجعون إلى قوله باحتجاجه عليهم لوجوب الحجة عليهم، فجعل القدوم على عنق ذلك الصنم الأكبر.
فلما رجعوا من عيدهم، نظروا إلى آلهتهم مكسرة؛ ويقال: حين دخل إبراهيم بيت الأصنام، كان عندهم خدم، يعني: الوصائف، فخرجن وقلن: إن هذا الرجل مريض، جاء يطلب من الآلهة العافية.
فلما خرج إبراهيم ودخلن، فنظرن إلى الأصنام مقطوعة الرأس، فخرجن إلى الناس بالويل والصياح وأخبرنهم بالقصة، فتركوا عيدهم ودخلوا فلما رأوا ذلك، {قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} في فعله.
{قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ}، أي يَعيبهُمْ؛ ويقال: أخبر الرجل الذي سمع منه فقال: إني سمعت فتى يذكرهم قال: تالله لأكيدن أصنامكم.